إلى ابني دعوه ودمعة
خرج من غرفته بجفنين مثقلين ، وفم يتدافع منه التثاؤب ، أزارير ثوبه مفتوحة واضعاً شماغه فوق كتفه ممسكاً بيده هاتفه النقال وهو ينادي الخادمة بصوت عالٍ لتحضر الشاي ثم يتبع سؤال متكرر : هل إتصل علي أحد ؟ ونظرات يبعثرها يمنة ويسرة عله يجد سبباً للنزاع مع من حوله ، فلما لم يجد عاود النداء على الخادمة أين الشاي ؟ على أثرها دخل والده قادماً من المسجد بعد أن أدى صلاة المغرب وعندما أبصر ابنه بهذه الحالة هز رأسه يمنة ويسرة وهو يحوقل ، أما الإبن فتجاهل الوضع وكأنه لم ير شيئاً محاولاً تجنب حوار قد يعيقه عن موعد مع أحد أصدقائه ، لكن والده هذه المره قد عقد العزم على الفصل في وضع ابنه ، جاءت الخادمه تحمل الشاي والخوف يدفعها ، قال لها الأب ضعيه في المجلس فارتسمت على محيا الابن علامات الضجر وبرغم علمه أنه المقصود قال هل سيأتيك ضيوف يا والدي ؟ قال الأب : لا ، لكنني أود الجلوس معك على انفراد
ومضى الأب إلى المجلس وتبعه الابن بخطوات مثقلة ، وأخته تتبعه بنظرة شماته عليه وفرح بموقف والدها ، بعد أن جلسا رفع الأب بصره إلى السماء ودفع من صدره آهة كبيرة ولسان حاله يسأل الإعانة في حوار يأمل أن يكون تربوياً ونافعاً ، وقال : يا بني عمرك الآن ثمانية عشر عاماً وأنت إلا الآن تجرجر أفعالك من زمن الصبا ... تنام عن الصلوات المكتوبة ولا تبالي متى تؤديها ولا كيف تؤديها ، وعندما تستيقظ يسبقك حالة من الطوارئ ، كل من في البيت يحاول جاهداً تجنب مقابلتك أو الصدام الخاسر معك ، تبذل وقتك في السهر مع رفاقك ، وتأبى أن تصحب إخوتك إلى الطبيب ، أو أمك إلى السوق ، يأتينا الضيوف فلا يجدونك ونذهب إليهم فلا ترافقنا ، تمضي الساعات الطوال مع أصحابك في لعب الورق ومشاهدة القنوات الفضائية أو في الأحاديث الذابلة ، وتبخل على مستقبلك بساعة تقضيها في مراجعة دروسك ، همك أن تجد سيارتك مجددة النظافة وملابسك قد أعيد كيها وتسأل عن أدق التفاصيل فيها ولا يخطر ببالك أن تسأل عن جدتك المريضة ، أهذه حياة ترضاها لنفسك ؟ أهذه طريق نأمل أن تقودك إلى السعادة الحقة ؟
أتحدى أن تكون قد أمضيت خمس دقائق تتأمل فيها وضعك ووضع أصحابك الذين تصحبهم إلى ما بعد منتصف الليل حين تعود إلى المنزل وكأنك فارس زمانك ، إسأل نفسك كم مرة مضى على آخر مرة تناولت فيها العشاء معنا ؟ إسألها متى آخر مرة زرت فيها جدتك ؟ بل إسألها متى آخر مرة صليت فيها فرضاً غير الجمعة في المسجد ؟ بل إنك حتى صلاة الجمعة كثيراً ما تفوتك الركعة الأولى منها ، أنا لا أطلب منك المستحيل ولا أنتظرك أن تعفيني من بعض متبعاتي تجاه أسرتي ، بل أريد أن تضع قدمك على الطريق الصحيح ، ولك أن أفرش دروبك بالورد ما استطعت
بعد الليلة الأولى من رمضان الماضي لم أرك تقرأ في كتاب الله الكريم غير أنك تمضي الساعة والساعتين تقرأ كل سطر في الصحف ، لا يا بني هذه ليست عيشة أرضاها لفلذة كبدي
وفجأة .. قطع حديث الأب صوت كوابح سيارتين في الشارع المجاور ثم صوت ارتطام شديد . خرجا - وهما يسألان الله اللطف - ليستطلعا ما حدث ، وبعد خطوات من الجري توقف الابن وهو يردد لا .. لا
ثم جثا على ركبيته وهو يجهش بالبكاء ، وعاد إليه والده قائلاً ما بك ؟ هل تعرفه ؟
أجابه نعم إنه صديقي الذي كنت على موعد معه قبل حديثك معي . كان المفترض أن أكون معه الآن لولا إرادة الله . ثم حديثك معي ، أتدري يا والدي كنت أتمنى أن ينتهي حديثك معي سريعاً ليس لأنني مللته ولكن لأني كنت قد عزمت الأمر على مصارحة صاحبي بأن يتغير مسار حياتنا إلى ما يرضي الله ثم يرضي والدينا ، غير أن ما ترى من قضاء الله وقدره قد سبقني إليهه
إنظر القصة في : مجلة شباب عدد 14 - بعنوان إلى ابني دعوه ودمعة لـ أ. منصور العمري