قصة النبي اسحاق عليه السلام
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي
الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى
الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ}
[ص: 45-47].
ويترجح أنه كان رسولاً في أرض الكنعانيين "بلاد الشام في فلسطين"، في البيئة التي عاش فيها سيدنا إبراهيم.
حياة سيدنا إسحاق عليه السلام في فقرات:
(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:
-1 لما بلغ إبراهيم عليه السلام من العمر (100) سنة ولدت له زوجته سارة المرأة العجوز العقيم إسحاق عليه السلام.
-2 أوصى إبراهيم أن لا يتزوج إسحاق إلا امرأة من أهل أبيه وقد كانوا
مقيمين في أرض بابل "العراق". ونُفّذت وصية إبراهيم، فتزوج إسحاق عليه
السلام "رفقة" بنت بتوئيل بن ناحور بن آزر، وناحور هذا هو أخو سيدنا
إبراهيم عليه السلام، فتكون "رفقة" بنت ابن عمه.
(ب) وقد قص الله علينا في كتابه العزيز جوانب يسيرة من حياة إسحاق عليه السلام، تتلخص بالنقاط التالية:
-1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه، وأنزل إليه طائفة من الشرائع.
-2 إثبات أنه عليم ونبي من الصالحين، وأن الله بارك عليه.
-3 إثبات أن الملائكة بشّرت إبراهيم بمولده من زوجته العجوز العقيم -وهي
سارة-، فلما سمعت البشرى قالت: "يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً
إن هذا لشيء عجيب؟!".
-4 هو أبو إسرائيل الذي يرجع إليه نبل نسل بني إسرائيل.
ومن بعد إسحق يعقوب
{وجاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى.. وامرأته قائمة فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب}.
هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل-عليه السلام- الذي بشر الله نبيه بولادته من عقبه: {وهبنا له إسحق ويعقوب كلاً هدينا}.
سمي يعقوب-عليه السلام- بهذا الإسم، لأنه ولد بعد أخيه العيص آخذاً بعقبه.
ثم إنه-عليه السلام- لما كبر كان يخدم بيت المقدس، فكان أول من يدخل إليه،
فيسرج القناديل، وآخر من يخرج منه حيث يطفئها، فسمي إسرائيل أي عبد الله،
وقيل قوة الله لأن معنى إسرا في لغة: قوة، وإيل: الله، فيكون معنى
إسرائيل: قوة الله.
» بين العيص ويعقوب
يذكر ابن كثير في قصصه، أن إسحاق-عليه السلام- كان يحب ابنه العيص أكثر من
محبته لابنه يعقوب-عليه السلام- \لك أن العيص هو ابنه البكر، أما رفقة
زوجة إسحاق فكانت تحب يعقوب أكثر من محبتها للعيص لأن يعقوب هو الأصغر.
فلما كبر إسحاق وضعف بصره، اشتهى طعاماً، فأمر ابنه العيص أن يصطاد له
صيداً ويطبخه له، ليبارك عليه ويدعو له، وكان العيص صاحب صيد، فذهب يطلب
صيداً لوالده، فما كان من أمه رفقة إلا أن أمرت ابنها يعقوب أن يذبح جديين
من خيار غنمه، ويصنع منهما طعاماً لوالده كما اشتهاه، ويأتيه به قبل أخيه
العيص فيدعو أبوه له فيفوز بدعوته.
وفعل يعقوب ماأمرته به والدته فقدم الطعام لوالده، الذي ضمه إليه ظناً منه
أنه العيص، ثم إنه أكل ودعا له أن يكون أكبر أخوته قدراً، وكلمته عليهم
وعلى الشعوب، وأن يكثر رزقه وولده.
عاد العيص بصيده وصنع منه طعاماً ثم قدمه إلى والده إسحاق-عليه السلام-
فقال له: لقد جئتني به قبل قليل وأكلت منه ودعوت لك، فما بالك تأتيني به
الآن ثانية!
وعرف العيص أن يعقوب أخاه سبقه في تقديم الطعام إلى أبيه، فثارت كوامن
الحسد والحقد في نفسه فحنق عليه، ووسوست له نفسه أمراً، ثم إنه طلب إلى
أبيه إسحاق أن يخصه بدعوة أخرى غير التي دعا بها ليعقوب، وأن يجعل لذريته
غليظ الأرض، وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم...
بعد هذه الحادثة راح العيص يتوعد أخاه يعقوب ويتهدده على أن سبقه في تقديم
الطعام إلى والده، فسمعت أمهما رفقة بما يدور من توعد ووعيد، فأمرت يعقوب
بأن يغادر إلى أرض العراق حيث يقيم أخواله، فينزل ضيفاً على لابان. ويبقى
عنده ريثما يسكن غضب أخيه العيص، وأمرته أن يتزوج إحدى بنات خاله.
وطلبت رفقة من إسحاق-عليه السلام- أن يأمر ابنهما يعقوب بذلك، فأمره ودعا له.
» زواج يعقوب-عليه السلام- وولده
انطلق يعقوب-عليه السلام- إلى أرض العراق، قاصداً ديار أخواله، فقدم على
خاله لابان في أرض حران، وكانت للابان هذا ابنتان هما: ليا وراحيل، وهي
أصغرهما وأجملهما. فلما رآها يعقوب-عليه السلام- أحبها وطلب من خاله أن
يزوجها له.
وافق لابان على طلب ابن أخته يعقوب، لكنه اشترط عليه أن يرعى له غنمه سبع سنين.
وأقام يعقوب-عليه السلام- في أرض حران يرعى غنم خاله لابان سبعة أعوام
بتمامها، فما كان من خاله إلاّ أن زفَّ له ابنته ليا، وهي الكبرى وكانت
دميمة الخلقة، حيث كان الوقت ليلا، ولم يعلم يعقوب-عليه السلام- إلا عندما
أصبح، فانطلق إلى خاله لابان متهماً إياه بالغدر، قائلاً له: إنني إنما
طلبت إليك أن تزوجني راحيل، فغدرت بي وزوجتني ليا.
واحتج لابان لابن أخته يعقوب -عليه السلام- بأن قانونهم وعاداتهم لاتسمح
بتزويج البنت الصغرى قبل الكبرى... ثم إنه قال له: إذا أردت أن أزوجك
راحيل، فاعمل سبع سنوات أُخر فازوجكها، وعاد يعقوب يعمل من جديد في رعي
غنم خاله، وبعد سبع سنوات أمضاها تزويج راحيل أيضاً.
وقد ولد ليعقوب-عليه السلام- اثنا عشر ولداً من زوجتيه ليا وراحيل
وجاريتيهما زلفى وبلهى. والأولاد على التوالي هم: روبيل، شمعون، لاوي،
يهوذا، دان، نيفتالي، جاد، أشير، إيساخر، زابلون، ويوسف-عليه السلام-
وهؤلاء جميعاً ولدوا في العراق، وبنيامين وهو أصغرهم وقد ولد في فلسطين
بعد عودة يعقوب-عليه السلام- إليها.
» عودة يعقوب-عليه السلام- إلى فلسطين
أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبيه يعقوب-عليه السلام- أن يعود إلى بلاد
أبيه وقومه فلسطين، ولما كان يعقوب-عليه السلام- يخاف بطش أخيه العيص، فقد
وعده الله عزوجل أن يكون معه ويؤمنه.
وأعلم يعقوب-عليه السلام- أزواجه وأولاده بعزمه على العودة فأجابوه،
وأطاعوه، فتحمل بهم وبما كان يملك من أموالٍ ومواشي وتوجهوا إلى فلسطين،
ولما اقتربوا من أرض ساعير تلقت الملائكة نبي الله يعقوب-عليه السلام-
مستبشرة بقدومه.
ومن ساعير بعث يعقوب-عليه السلام- إلى أخيه العيص من يخبره بقدومه-عليه
السلام- ويترفق إليه ويتواضع له، حتى يرضى عن أخيه يعقوب، فما كان من
العيص إلاّ أن ركب في أربعمئة راجل دون أن يعلم الرسل مقصده.
وعاد الرسل ليخبروا يعقوب-عليه السلام- بما كان من أمر أخيه العيص، فخشي
يعقوب أن يكون أخوه لايزال حانقاً غاضباً عليه بعد تلك السنين الطويلة،
فصلى الله تعالى ودعاه وتضرع إليه جل وعلا ثم سأله أن يكف شر أخيه عنه.
ثم أعد-عليه السلام-هدية كبيرة، تبلغ مئتي شاة، وعشرين تيساً ومئتي نعجة
وعشرين كبشاً، وثلاثين لقحة وأربعين بقرة، وعشرين ثوراً وعشرين أتاناً
وعشرة من الحمير، وقطعها قطعاناً جعل على رأس كل قطيع خادماً من خدمه، ثم
أمرهم أن يسوقوا كل تلك القطعان على أن تكون مسافة بين القطيع والآخر، حتى
إذا لقي العيص أولهم وسأله لمن هذا القطيع، أجابه قائلاً: إنه لعبدك يعقوب
وقد أهداه لسيدي العيص، وهكذا يقول الثاني والثالث وكل واحد منهم..
سار الخدم بالقطعان، وتريّث يعقوب-عليه السلام- بأهله وبنيه ليلتين ساروا
بعدهما حتى ظهر لهم العيص ورجاله من بعيد، فتقدم يعقوب-عليه السلام- أهله
وتابعوا سيرهم حتى التقوا العيص فتقدم يعقوب-عليه السلام- وسجد له سبع
مرات هي عبارة عن التحية في ذلك الزمان، ثم تقدمت نساء يعقوب-عليه السلام-
وأولاده وسجدوا لعمهم كما فعل والدهم فلما رأى العيص ذلك من أخيه وأهله
تقدم إليه واحتضنه وقبله وبكى، ثم نظر إلى النساء والأولاد وسأله عنهم،
فقال يعقوب- عليه السلام-أمّا النساء فزوجاتي وأما الأولاد فهم الذين
وهبهم الله تعالى لعبدك يعقوب.
وألحَّ يعقوب-عليه السلام- على أخيه العيص أن يقبل هديته، فقبلها، ورجع
يتقدمه قاصدين جبال ساعير، فلما مروا بساحور. ابتنى يعقوب له بيتاً هناك
استظل به الجميع، ثم إنهم مروا على أورشليم قرية شخيم، فنزلوا هناك حيث
اشترى يعقوب-عليه السلام- مزرعة شخيم بن جمور بمائة نعجة، وضرب فيها
فسطاطه.
ثم إن الله تعالى أمر نبيه يعقوب-عليه السلام- بأن يبني مذبحاً يسميه
"إيل" وهو اليوم بيت المقدس. وبعدها جاء يعقوب-عليه السلام- إلى والده
إسحاق سلام الله عليه، فأقام بقرية حبرون مدة مرض بعدها والده إسحاق -عليه
السلام- وتوفي، فدفنه بمساعدة أخيه العيص هناك.