لماذا الذكاء الاجتماعي؟
لا تألو جهدا مدارس علم النفس في طرق أبواب جديدة تيسر فهم وتفسير السلوك الإنساني، وتحليل مرتكزاته ودوافعه، وما زلنا كل يوم نتعلم الكثير، ونعرف أكثر عن الطرق التي يمكننا من خلالها معرفة أنفسنا والآخرين؛ مما يضمن للبشر جوا أهدأ وأكثر استقرارا.
وقد يعيب علينا البعض ذلك الاهتمام الكبير الذي أوليناه للعلوم الاجتماعية في الفترة الأخيرة، والاتجاه بشغف نحو ما يرفع من الكفاءة الشخصية للمرء منا؛ ضاربا وجها للمقارنة بين زمنين؛ زمن فات وراح لم يكن به هذا الشغف بعلوم تنمية وتطوير الشخصية، وزمن حالي زاد الالتفاف فيه حول هذه العلوم بدرجة يراها الكثيرون مبالغا فيها.
والمتأمل بتدبر سيرى جليا أننا نعيش في زمن مادي محموم، طغت المادة فيه على كثير من المعاني الإنسانية؛ فصارت ثقافة الصفقات هي الأعلى صوتا والأعمق أثرا.
وصار الإنسان اليوم بحاجة إلى من يأخذ بيده، كي يعيده إلى أصل طبيعته، ويعطيه الأدوات التي تمكّنه من فهم نفسه والمحيط الذي يعيش فيه!.
صار المرء بحاجة لمن يذكره أن الإنسان للإنسان، والحياة تكامل وتعاون، وأن الأنانية وسحق الآخر في سبيل المكسب الشخصي ليست بالشيء الرشيد.
يحتاج المرء في زمننا هذا أن يقرأ ذاته جيدا، كي يستطيع صنع سلام نفسي بين منظومته الأخلاقية وصورته الذهنية عن نفسه من جهة وبين سلوكه وصورته الظاهرة للناس من جهة آخرين.
ولقد تعددت المدارس التي تحاول فض الاشتباك بين المرء وذاته، وكذلك بينه وبين الآخرين، وخرجت نظريات كثيرة من نوعية " الذكاء الاجتماعي" والذكاء العاطفي" والأنماط الشخصية" وغيرها، والتي تدور حول فهم الذات والآخرين، وحاولت كل مدرسة التأكيد على أهميتها في زمننا الحالي، وقوة طرحها في مواجهة حالة التنافس الشرس الذي طغى على حال البشر؛ مما حدا بالكاتب الأمريكي " كارل ألبريخت" للقول في كتابه "الذكاء الاجتماعي":
"إن أمر التواصل مع الآخر لم يعد فنا أو شيئا هامشيا، إنه -إن شئت الدقة- قد يكون المحاولة الأخيرة لمنع انقراض الجنس البشري!".
ولأنها عادة بشرية أصيلة تعامل البعض مع هذه المفاهيم وكأنها دين جديد، وفيه تفسير لكل شيء، ورأينا من يقول تزوج هذه لأنها تتوافق مع النمط هذا، وابتعد عن تلك لأنها تعارض نمطك، وحاول آخرون تغليب نظرية دانيال جولمان الخاصة بالذكاء العاطفي على كافة مسارات الحياة، وغيرهم تعصبوا لنظرية جاردنر "الذكاءات المتعددة"، وقالوا بأنها الرؤية الكاملة للحياة والمنقذة للطموحات والأحلام.
والاعتدال يكمن في أن نشاهد الأمر بنظارة الواقعية، وأن نتعامل مع تلك النظريات على أنها شيء هام ومفيد لفهم وتفسير العديد من الأمور التي تتوافق مع تطور السلوك الإنساني.
الحنكة أن نطرح الأمر على طاولة البحث والنقاش، ونأخذ ما يتوافق مع رؤانا ومعتقداتنا، دون شطط أو تعصب سواء بالرفض المطلق أو القبول المطلق.
وخلال هذا المقال ـ ومقالات آخرين قادمة بمشيئة الله ـ سنحاول أن نقتحم أسوار أحد أهم المدارس التي تعمل على تطوير السلوك الشخصي، وتنمية قدراته في التعامل مع الآخر، سنتحدث عن مدرسة "الذكاء الاجتماعي"، ونجتهد في وضع أطر ورؤى تُناسب واقعنا؛ مما يجعل من أمر الاستفادة من هذه المدرسة شيئا ممكنا وفعالا.
ما هو الذكاء الاجتماعي؟
هو ببساطة القدرة على التواصل السلس مع الآخرين وكسب تعاطفهم. أو لنقل بشكل أكثر دقة، هو قدرتك على تكوين رؤية اجتماعية صحيحة للموقف، مع مهارة بالغة في التأثير في الآخرين؛ مضافا إليها قراءة واعية لذاتك، وقدرة على التعاطف والتعاضد.
أي أن الشخص الذكي اجتماعيا يجب أن تتوفر فيه عدة عوامل هامة: 1. تحليل جيد للموقف الاجتماعي:
وقراءة واعية للمشهد؛ فحديثه وسكونه، ومزاجه وجموده، وحركته وسكنته، وجميع سلوكه متوقف على ما يمليه عليه المشهد من خلال قراءة واعية؛ لذا تجده قريبا جدا من القلوب، مشهورا بحسن تقديره وتدبيره، معهود له بالحكمة والاتزان.
2. التأثير:
حضور نفسي وجسدي كبير، والتأثير يبدأ من المظهر العام وينتهي بالروح المنفتحة والابتسامة الجذابة، والقدرة على الاستماع والتعاطي بصورة إيجابية مع حديث الآخر.
3. قراءة الذات:
وهي ببساطة قدرتك على صياغة أفكارك وآراءك بشكل واضح وسليم وسلس وفوق هذا مقبول من الآخر، والوضع في الاعتبار؛ الفروق الشخصية التي توجد بين البشر أثناء عرض أفكارك وانطباعاتك.
4. التعاطف والتعاضد:
ومعنى التعاطف هنا يتجاوز -إلى حد كبير- الشعور بالشفقة، ويتعداه إلى الإحساس الصادق بالآخر، وتقدير دوافعه، ودعمه روحيا.
هذه ببساطة هي العناصر الجوهرية للشخصية ذات الذكاء الاجتماعي، والتي من دونها يفتقد المرء كثيرا جدا من تأثيره، وتقلل إلى حد كبير من تعامله الإيجابي مع الآخرين.
الخبر الجميل هنا أن "الذكاء الاجتماعي" يمكن تنميته وتطويره بالنسبة لأي واحد منا، ولا يمكن لأحد الادعاء بأنه قد خلق هكذا ولا يستطيع تقويم عيوبه الاجتماعية، أو تنمية ذاته وشحذ قدراته.
وأختم حديثي معك بالتأكيد على أننا نستطيع أن نكون أفضل اجتماعيا، ونتواصل بشكل فعال؛ شريطة أن نهتم بتغيير قناعاتنا والانتباه إلى سلوكنا، وتعلم المهارات التي تيسر لنا الاندماج الحضاري المتزن مع الآخرين..
الذكاء العاطفي هو القدرة على فرز العواطف الذاتية، و حسن استعمالها. و يعرف كولمان الذكاء العاطفي بأنه القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، وذلك لتحفيز أنفسنا، ولإدارة عاطفتنا بشكـل سلـيم في علاقتنا مع الآخرين ويتم تصنيف الذكاءات العاطفية ، بحسب مجموعات ، لكنها تختلف من مصنف إلى آخر مع وجود نزعة إلى البحث عن وجود عواطف أساسية ، تكون قاعدة لتصنيف موحد ، عواطف أساسية على شاكلة الظاهرة الفزيائية للضوء : أخضر أحمر أزرق و تصبح في هذا الإطار باقي العواطف المتنوعة عبارة عن تأليفات من العواطف الأساسية. فالذكاء العاطفي يشمل الذكاء الاجتماعي و ذكاءات أخرى و يختلف مستوى كل ذكاء من شخص إلى آخر . و يقولون انه يوجد العامل الوراثي للذكاء العاطفي و هو ما يسمونه المزاجية لكن ، عكس الذكاء العقلاني الذي لا يتزحزح و يلاصق الشخص طوال عمره ( قياسه هو( le quotient intellectuel = QI ، فهو (الذكاء العاطفي) يمكن أن يتحسن و يتطور بحسب كل شخص و بحسب كل بيئة...
لنقرب فكرة الذكاء العاطفي يمكن أن نطرح مفهوم الحكمة الإنسانية "All learning has an emotional Base" "أي عملية تعلم تبنى على أساس عاطفي" قال سقراط... ولكن بالنسبة للحكمة الإنسانية، المعظم يعتبرها من العلوم الإنسانية ولم ترتبط من قبل بمصطلح الذكاء، إلا أن فشل مقاييس الذكاء المعرفي أو ما عرف بـ IQ خصوصا بعد الكثير من الدراسات السلوكية والنفسية والمختصة بالقدرات الإبداعية والصحة النفسية أثبتت وجود قدرات إنسانية فكرية وعاطفية مهمة جدا للنجاح في الحياة وبناء العلاقات الإنسانية الصحية.
إن من أول النشرات الدورية التي اختصت في الذكاء العاطفي هي مجلة تخصص مواضيعها لتطوير القدرة الذاتية Self-Help وهي تدعى مجلة "بيتي" أول دليل عربي للأهل في الذكاء العاطفي http://www.beitymagazine.com فهي مجلة بدأت في عمان-الأردن وهي حركة ثورية في مجال تطوير الوعي العاطفي وتعزيز فهم الفرد لمشاعره الخاصة والتعامل معها بإيجابية، وذلك لتوعية الأهل (الأم والأب) بأهمية القدرات الذكائية العاطفية وتعزيز ذلك بالتعامل اليومي بين الزوجين، مع الأطفال ومن خلال التعاملات الاجتماعية والمهنية.
ويبقى أن تتبنى المدارس مفهوم الذكاء العاطفي، وذلك لتطوير قدرات الطالب العاطفية والتي تهمل خلال مراحل التدريس المدرسي، ومن هنا تتجذر مشاكل العنف والسلبية والعناد والشغب والتخريب أو اللامبالاة وقلة الثقة بالنفس وقلة الرادع الضميري أو الديني. لأن الذكاء الذي يعرفه العامة لا يغطي مساحات القدرات العاطفية التي تفسر الحاجات الأساسية للنفس البشرية، ويبقى الاجتهاد الشخصي أو تدخل الأهل هو المفعل الأساسي لتطوير قدرات الذكاءالعاطفي.
يقول كارل ألبريخت أن مفهومنا الذي يقول أن القدرة العقلية البشرية نتاج صفة واحدة تسمى “الذكاء” انتهت فلم يعد هناك في العالم الحقيقي شيء يسمى الذكاء، ولقد حان الوقت لجلب مفهوم البروفيسور جاردنر الذي أسماه “الذكاء المتعدد” إلى وعينا اليومي. يتكون الذكاء المتعدد من ستة أنواع رئيسية من الذكاء:
الذكاء المجرد (التفكير العقلي الرمزي)، الذكاء الاجتماعي (موضوع الكتاب)، الذكاء العملي (إنجاز الأعمال)، الذكاء العاطفي (الوعي الذاتي وإدارة الخبرة الداخلية)، الذكاء الفني (الإحساس بالجمال وتذوق الآداب و الفنون و الموسيقى وغيرها من الخبرات الشمولية)، الذكاء الحركي (القدرات البدنية الرياضية و الرقص وعزف الموسيقى).
وفي تعريفه للذكاء الاجتماعي يقول كارل ألبريخت القدرة على الانسجام والتآلف الجيد مع الآخرين وكسب تعاونهم معك وبضدها تعرف الأشياء فتعريف الغباء الإجتماعي هو انعدام إحساس وافتقار للوعي بالموقف ويقول: يتألف الشيء الذي نسميه في هذا الكتاب باسم الذكاء الاجتماعي من شيئين هما البصيرة و السلوك. إننا نسعى لفهم الفعالية الاجتماعية الإنسانية على مستوى يتجاوز مستوى الصيغ و المعادلات البسيطة، يتجاوز استخدام التعبيرات اليومية اللطيفة من قبيل “من فضلك” و “أشكرك” و المجاملات الاجتماعية العادية كما يتجاوز تلك الأشياء التي تسمى “مهارات التعامل مع الناس” ذات القيمة المفترضة في مكان العمل. إننا نطمح إلى فهم الكيفية التي يتمكن بها الأشخاص الأكثر فعالية وتأثيراً من التعامل مع المواقف الاجتماعية المختلفة ببراعة شديدة، والكيفية التي يعرفون بها في معظم الأحيان على الأقل كيفية إشراك الآخرين بطرق ملائمة للسياق العام.
هناك خمس أبعاد مختلفة لمفهوم الذكاء الإجتماعي هي الوعي الموقفي القدرة على قراءة المواقف وتفسير سلوكيات الآخرين في تلك المواقف وفقاً لأهدافهم المحتملة وحالتهم العاطفية وميلهم إلى التواصل.
الحضور أو التأثير وتضم مجموعة من الأنماط اللفظية وغير اللفظية ومنها المظهر ووضع الجسم ونبرة الصوت والحركات الدقيقة، مجموعة كاملة من الإشارات التي يعالجها الآخرون ليتوصلوا منها إلى انطباع تقييمي للشخص. الأصالة تلتقط الرادارات الاجتماعية للأشخاص الآخرين إشارات عديدة من سلوكياتك تؤدي بهم إلى الحكم عليك كشخص صادق صريح ذي أخلاق وأمانة ونوايا طيبة أو على النقيض من ذلك. الوضوح القدرة على تفسير أفكارك وصياغة آرائك وإيصال المعلومات بسلاسة ودقة وشرح وجهات نظرك وأفعالك وتصرفاتك المقترحة. التعاطف نحن هنا نتجاوز الدلالة التقليدية لمعنى الكلمة والمنحصر في إبداء الشفقة تجاه الآخرين، ونعرفها بأنها إحساس مشترك بين شخصين وانطلاقاً من هذا التعريف سنعتبر التعاطف حالة اتصال وثيق بشخص آخر تخلق أساساً للتواصل و التفاعل والتعاون الإيجابي.
قالت السيدة عالية مفلح مدرسة وأم لطفلين يعتبر إدخال موضوع الذكاء العاطفي إلى مدارسنا أمراً مهماً، وبخاصة في ظل عدم وجود مرشدين للطلبة في بعض المدارس أو عدم كفاية عددهم، وفي ظل غياب الأهل معظم الوقت خارج المنزل. وهناك أيضاً ازدياد العنف في المدارس بين الطلبة أنفسهم من ناحية، وبين الأساتذة والطلبة من ناحية أخرى. وكما أسلفنا سابقاً لارتباط الذكاء العاطفي بعملية التعلم، وكذلك لكون الذكاء العاطفي من متطلبات النجاح في الحياة بشكل عام.
أضاف السيد عواد محمد مدرس بدأت العمل في موضوع الذكاء العاطفي مع مجموعة من المعلمين من مدارس مختلفة بما فيها الحكومية والخاصة والتابعة لوكالة الغوث. وشكلنا معاً مجموعة متعلمين وباحثين ومطورين لموضوع الذكاء العاطفي. وقد اتخذنا منحى البحث الإجرائي إيماناً منا بأن التأمل في السلوك، وتقييم الذات، والالتزام الذاتي بتغييرها من أهم سبل التطوير. وأكد أن محور اهتمامي في العمل في مجال الذكاء العاطفي هو المعلم والطالب، باعتبارهما أكثر العناصر علاقة بالعملية التعليمية التعلمية. وقد ارتأيت مع مجموعة المعلمين المشاركة في الموضوع البدء بالعمل مع المعلم انطلاقاً من مبدأ فاقد الشيء لا يعطيه، وعلى الرغم من إدراكنا أن العمل مع المعلم لا ينفصل عن الطالب. ونقطة البداية هي تغيير أنماط السلوك.
يؤكد الدكتور عدنان الطوباسي استاذ علم نفس المراهق، في الحياة ينبغي ان يتحرر الناس من القيود وينثروا عبير الحرية في ربوع الحياة ويمضوا بكل قوة الى مرافيء الحياة بكل ألق وجمال وحب وعلى الناس ان تكون حياتهم الاجتماعية مبنية على الاحترام والود وقبول الاخر كما لا بد ان يكون الفرد قادرا على فتح افاق ايجابية نحو الاخر والناس في حياتهم ينبغي ان يكونوا متعاونين حتى تمضي الحياة دون عقد او نكد او حسد
والعلاقات الاجتماعية تفتح الكثير من الطرق المختلفة امام الآخرين .. لكن علينا ان نكون واقعيين في كل المواقف وأن نكون صادقيين في التعامل .. أن تكون محبوبا امام الناس فذلك يفتح لك كل الطرق الجميلة الى ابواب الناس وتكون قادرا على فهمهم واحتوائهم وسماع افكارهم .. العلاقات الاجتماعية روح الحياة وتظللها بكل المحبة ...